أثر التجارة الإلكترونية في زيادة الطلب على المنتجات التقليدية

0

لا أكاد أذكر كيف كنت أشتري احتياجاتي قبل عصر استخدام الإنترنت كوسيلة تعرض بها الشركات والمحال التجارية منتجاتهم، ففي عصر العولمة والتكنولوجية وانتشار التجارة الإلكترونية أصبحت أجد كافة احتياجاتي تقريبا معروضة على الانترنت لأقوم بكل سهولة وسرعة بتحديد ما أريد شراءه ثم أقوم "بطلبه أون لاين". 
فالتجارة الإلكترونية لم تعد تقتصر فقط على المنتجات الرقمية فقط، إنما أصبحت تشمل جميع المنتجات الحديثة والتقليدية، ففي ظل الاتساع الهائل في استخدام التطبيقات، أصبح بإمكانك حتى شراء "المواد التموينية والخضروات والفواكه" عبر تطبيقات ومواقع إلكترونية مخصصة لذلك. فما أثر إذن التجارة الإلكترونية في زيادة الطلب على المنتجات التقليدية؟ 
في البداية يجب تحديد ماهية "التجارة الإلكترونية" في تعريف علمي أكاديمي، حيث عرفت الدراسات مفهوم التجارة الإلكترونية بأنه "تسويق المنتجات عبر شبكة الإنترنت والبرامج والتطبيقات دون الذهاب إلى المتجر أو إلى الشركة، وعلاوة على ذلك فإن التجارة الإلكترونية تشتمل على الاتصالات بين مختلف الشركات على المستوى المحلي أو الدولي، مما يسهل عملية التبادل التجاري ويزيد من حجمها". 

أولا: أثر التجارة الإلكترونية على هيكل السوق والتنافسية:
من الملاحظ أن التجارة الإلكترونية تؤثر على هيكل الأسواق سواء أسواق السلع والخدمات، أو أسواق عناصر الإنتاج، ولتحقيق هيكلة السوق بطريقة تعطي أعلى عائد ممكن يتوقف على الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة في المجتمع وطبيعة السوق الذي يتم العمل به والذي يلعب دوراً حاسماً في تحقيق التخصيص الأمثل للموارد، فكلما كان شكل السوق قريب من المنافسة الكاملة أمكن تحقيق ذلك، والتجارة الإلكترونية تؤثر على هيكل الأسواق وخاصة أنها تقربنا من الوصول إلى سوق المنافسة الكاملة ويمكن توضيح ذلك من خلال تحقيق فرضيات سوق المنافسة الكاملة وهي:  وجود عدد كبير من البائعين كالمشترين، حرية الدخول والخروج من السوق، المعلومات عن السوق متوفرة للجميع والأسعار معلومة. 
ثانيا: توفر التجارة الإلكترونية مجموعة من الأثار الاقتصادية على مستوى زيادة بيع المنتجات التقليدية ويمكن عرضها فيما يلي: 

أ – توسيع نطاق السوق: حيث تعمل التجارة الإلكترونية على توسيع دائرة السوق المحلي وكذلك النفاذ إلى الأسواق العالمية وخلق أسواق جديدة كان من المتعذر إيجادها في ظل التجارة التقليدية، لأن ممارسة التجارة عبر شبكة الإنترنت تجعل المنتجات من السلع والخدمات متاحة لأكبر عدد ممكن من المستهلكين. وهذا يتيح حتى للمنشآت الصغيرة والمتوسطة الحضور في الأسواق المحلية والدولية الأمر الذي يمنح فرصة أكبر للمستهلك للاختيار من بين المنتجات المعروضة. 
ويعد الدخول اليسير والفعال إلى الأسواق المحلية والدولية لمؤسسات الأعمال أحد الفوائد المباشرة للتجارة الإلكترونية التي تعتمد على الإنترنت، ولذلك فإنه بإمكان أي فرد أن يصبح تاجرا على الإنترنت بتكاليف منخفضة جدا  وعلاوة على إمكان الوصول إلى الأسواق العالمية، فإن الشركات التي تبنت التجارة الإلكترونية تؤكد وجود فوائد ومنافع أخرى لهذه التجارة مثل تقليص أوقات أو فترات التوريد، واختصار أوقات دورات الإنتاج، وتبسيط عمليات واجراءات الشراء، بالإضافة إلى إنقاص المخزون، لأن المنتجين والمستهلكين يصبحون قريبين جدا من بعضهم البعض من خلال الاتصال المباشر فيما بينهم، دون تدخل الوسطاء التقليديين مثل الموردين والمصدرين وتجار الجملة والتجزئة. 
ب – تفعيل مفهوم المنافسة الكاملة في السوق : حيث تعمل التجارة الإلكترونية على تقليص المسافات بين المنتجين والمستهلكين مما يتيح التواجد الإلكتروني القريب بين البائع والمشتري الأمر الذي يؤدي إلى تحسين مستوى ونوعية المنتج عن طريق خدمات ما قبل وبعد البيع، وتوفر المعلومات عن طبيعة المنتجات وأسعارها ومنتجيها في الأسواق، وكذلك الاستجابة السريعة لطلبات السوق مما يؤدي في نهاية الأمر إلى تحسين درجة التنافسية في الأسواق الإلكترونية كما أن انخفاض تكاليف العمليات التجارية وانخفاض عوائق الدخول في الأسواق من شأنه تقليل بعض الاختلافات في الأسواق التجارية، وتحريك الأنشطة الاقتصادية والوصول بها إلى أن يكون اقتصادا يعتمد على المنافسة الكاملة. 
ج – انخفاض تكاليف العمليات التجارية: تمثل تكاليف الصفقات التجارية المتمثلة في جمع المعلومات والتفاوض وأتعاب السمسرة وعمولات المبيعات والإجراءات الإدارية وغيرها جزء مهما في سعر المنتج. وتلعب التجارة الإلكترونية دورا بارزا في تخفيض هذه التكاليف من خلال تحسين وتدفق المعلومات وزيادة تنسيق الأعمال، وكذلك انخفاض تكاليف البحث عن المعلومات المتعلقة بالمشترين المحتملين والبائعين في السوق. ومن ناحية أخرى تسهم التجارة الإلكترونية في خفض التكاليف الإدارية لدى مؤسسات الأعمال في توزيع وحفظ واسترجاع المعلومات الورقية، وقد يصل خفض التكاليف الإدارية لعمليات الشراء إلى 85% مما يؤدي في نهاية المطاف إلى انخفاض أسعار المنتجات. 
د – تحكم أفضل في إدارة المخزون : تسهم التجارة الإلكترونية في خفض المخزون عن طريق استعمال عملية السحب في نظام إدارة سلسلة التوريد، حيث تبدأ العملية بالحصول على الطلب التجاري من المشتري وتزويده بطلبه من خلال التصنيع الوقتي المناسب ، وهذا من شأنه العمل على تقليص الدورة  التجارية بدرجة كبيرة حيث يتم شحن المنتج مباشرة من المصنع إلى المشتري النهائي، وبذلك تصبح التجارة الإلكترونية أداة مهمة في إدارة المخزون وانخفاض تكاليف التخزين، وهذا له آثار اقتصادية على المستوى الكلي إذا علمنا أن 10 %من التقلب ربع السنوي في معدلات نمو الإنتاج تعود نتيجة للتقلب في الاستثمار في المخزون. فإذا كانت التجارة الإلكترونية تعمل على تخفيض المخزون إلى حده الأدنى، فإنه من المتوقع أن يكون أحد آثار التجارة الإلكترونية هو تخفيف آثار الدورة التجارية الناجمة عن التغير في المخزون. ومع تطور تقنية المعلومات والاتصالات وتدفق المعلومات بشكل أفضل فإنه من المتوقع أن ينخفض أثر المخزون على الدورة التجارية إلى حده الأدنى بل ربما ينعدم. 
هـ- تعمل التجارة الإلكترونية على تحسين الكفاءة والقدرة التنافسية بين المنشآت بفعل دخول المعرفة والمعلومات كأصل مهم ورئيس من أصول رأس المال كما تتاح الفرصة لزيادة حجم عمليات البيع من خلال الاستفادة من المقدرة على التسوق عبر الإنترنت طوال ساعات النهار والليل دون أن تزيد التجارة الإلكترونية من الضغوط التنافسية على المنشآت, وذلك بفعل تخفيض تكلفة المنتجات، لأن تطبيق هذا النوع من التجارة سيؤدي إلى زيادة كمية هذه المنتجات وسعي المنشآت إلى ترويجها في مناطق جديدة لم تكن تتوجه إليها من قبل (بمعنى أن التجارة الإلكترونية تساعد المنظمات في دخول الأسواق الدولية والتسويق الدولي). وإلى تقديم أفضل عروض البيع لجذب العملاء، وتقديم تسهيلات كثيرة للمستهلك، مما يؤدي إلى زيادة النفقات العامة الأخرى، وبذلك تفقد المنشآت الأقل كفاءة قدرتها على المنافسة. 
و- تؤدي التجارة الإلكترونية بما تحمله من تكنولوجيا متطورة إلى مزيد من تقسيمات العمل وتغيير في أنماطه وأساليبه والتخلي عن بعض العناصر البشرية (خاصة العمال متوسطي وعديمي المهارة) التي كانت تقوم بهذا العمل، بالإضافة إلى الاستغناء عن بعض الوكلاء والمتاجر سواء متاجر البيع بالجملة أو التجزئة، مما سيكون لهذا كله أثر غير محمود على زيادة معدلات البطالة حتى ولو كانت بطالة مؤقتة ممكن أن تزول على المدى الطويل.
ثالثا: الأمر الذي لا يمكن إنكاره أن التجارة الإلكترونية توفر على المشتري الكثير من الوقت والجهد مما يزيد من الطلب على المنتجات التي تباع إلكترونيا. 

رابعا: توفر التجارة الإلكترونية للمشتري التعرف على أراء الآخرين حول المنتجات مما يساعد في بناء الثقة بين البائع والمشتري في حالة التعليقات الإيجابية وبالتالي يزيد بدوره من الطلب على منتجات بائعين معينين. 

خامسا: إن عرض المنتجات التقليدية على شبكة الإنترنت ساهم بظهور هذه المنتجات بصور جديدة أكثر ابتكارا، الأمر الذي زاد من التنوع في المنتجات المعروضة وأصبحت عوامل التمييز والاختيار أكثر وضوحاً. 

سادسا: ساهمت التجارة الإلكترونية في تنظيم عمليات البيع وضمان انسيابيتها من خلال السماح للمنتجين بالاتصال والبيع مباشرة إلى المستهلك الأخير دون اللجوء إلى قنوات التوزيع التقليدية.

سابعا: ساهمت التجارة الإلكترونية في زيادة السرعة في إضافة منتجات أو تغيير المقترحات البيعية بسرعة هائلة.

ثامنا: وفرت التجارة الإلكترونية للبائعين طريقة أكثر فعالية لمتابعة المعاملات الخاصة بالمبيعات وخطواتها ونتائجها وتقييم منتجاتهم وتطويرها. 

تاسعا: وضحت العديد من الدراسات دور التجارة الإلكترونية واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لعرض المنتجات في زيادة النية الشرائية لدى المستخدمين، ففي العديد من الأوقات تكون تستخدم حسابك على "الانستغرام" لغرض التصفح فقط ليظهر لك اعلان منتج معين يجعلك تدرك أنك بحاجة له أو يكون الإعلان جذا جدا فيجعلك ترغب بشراء هذا المنتج حتى لو تكون بحاجة له. 

في الختام وعلى الرغم من فوائد التجارة الإلكترونية وأثرها على زيادة الطلب على المنتجات التقليدية، يجب الإشارة إلى أن الفائدة المرجوة من التجارة الإلكترونية مرهونة بالبائع نفسه، فعلى البائعين زيادة كفاءتهم، وتطوير منتجاتهم والابتكار فيها، وزيادة جودتها، حتى يستطيعوا الاستفادة أكبر ما يمكن من التجارة الإلكترونية لزيادة مبيعاتهم، ففي ظل زيادة المنافسة أدت التجارة الإلكترونية إلى انخفاض مبيعات العديد من الباعة المتمسكين في الطرق التقليدية للبيع.

لا يوجد تعليقات

أضف تعليق